لعنة الشهرة

النهاية المأساوية للفنان مايكل جاكسون، الملقب بملك الموسيقى الشعبية (King of pop music) قبل أيام، تبعث على التفكير والاعتبار في الثمن الغالي الذي يدفعه كثير من المشاهير في العالم ثمنا للشهرة المفرطة. هذا الفنان اكتسب شهرة كبيرة منذ طفولته عندما شكل مع أربعة من إخوته فرقة «خماسي جاكسون»، التي ذاع صيتها بشكل كبير، وربما كان مايكل، نجم الفرقة، أشهر طفل في الولايات المتحدة آنذاك، وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره.

في مرحلة شبابه انفصل مايكل عن إخوته واستقل بنفسه وحقق نجاحا كبيرا حتى أصبحت إحدى اسطواناته «Thriller» الأكثر مبيعا في العالم على الإطلاق، بل إن عددا مرموقا من اسطواناته حقق المراكز الأولى، كما فاز هو مرات عديدة بأكبر الجوائز العالمية في الغناء والموسيقى، منها 13 جائزة «جرامي» الشهيرة، ووصلت مبيعات أغانيه 750 مليون اسطوانة، كما فاز بلقب «أنجح مغني على الإطلاق». كان لمايكل أسلوبه المميز في الغناء الذي أسر به ملايين الشباب و في الرقص بطريقة تشبه حركة الإنسان الآلي «الروبوت». وهكذا حقق كل ما يصبو إليه أي نجم من شهرة ومال وتقدير ونجاح منقطع النظير. ومع ذلك لم يحقق كل ذلك له الاطمئنان الروحي والسعادة. بل عاش حياة مضطربة وأفرط في تعاطي الأدوية المخدرة والمهدئات القوية التي يعتقد أنها كانت سببا في وفاته. ولم يكن مايكل جاكسون في ذلك وحيدا بل سبقه الكثير من المشاهير الآخرين، منهم على سبيل المثال لا الحصر، النجم الأسطوري «إلفس برسلي» الذي تربع على عرش الغناء لسنوات ثم مات بصورة مشابهة بسبب الجرعات الكبيرة من الأدوية المخدرة والمهدئات. حياة كثير من المشاهير تتميز بعدم الاستقرار وتعج بالأحداث غير العادية، وبالذات فيما يخص كثرة الطلاق والزواج والمغامرات العاطفية والغراميات المختلفة أو الإدمان أو الشذوذ أو المشاكل المالية، مما جعل متابعة أخبار هؤلاء المشاهير صناعة رابحة في الفضائيات والصحف والمجلات. وبينما تصبح حياة هؤلاء المشاهير مادة خصبة للتسلية للآخرين فإن الشهرة المفرطة، على ما يبدو، تجلب معها الكثير من التعاسة والملل والخواء الروحي، بل إنها «تقصف» العمر فيموت هؤلاء المشاهير قبل أن يصلوا إلى العمر الطبيعي المتوقع لهم. وأحيانا تكون النهاية بسبب الانتحار الذي يقدم عليه بعض المشاهير بأنفسهم. أما في حالات قليلة أخرى فقد تأتي النهاية بسبب اعتداء من طرف خارجي تدفعه الغيرة أو الحسد أو «الهوس» بشخصية الفنان المشهور مثل ما حدث مع نجم فرقة «البيتلز» جون لينون. هذه العقوبات التي يدفعها المشاهير يمكن تسميتها «لعنة» الشهرة، وهي تختلف عن «ضريبة» الشهرة المتعارف عليها. الضريبة تدفع للوصول إلى الشهرة وتشمل العمل الشاق والطموح والتضحية والتفاني. هذه من الأمور المحمودة التي يتطلبها تحقيق التميز في أي مجال من مجالات الإبداع، وهي تساعد على بناء شخصية الإنسان وإبراز مواهبه. أما «لعنة الشهرة» فأقصد بها ما يحدث للشخصيات المشهورة بعد أن تتربع على عرش المجد ثم تبدأ بالتصرف وفق سلوكيات غريبة لا تلبث أن تقودها نحو الهاوية أو أن تحدث لها مشاكل أو أمراض خارجة عن إرادتها. بالنسبة لمايكل جاكسون فقد تعرض لكسر في الأنف أثناء عمله و كان ذلك بداية لإجراء عدة عمليات تجميل لأنفه وذقنه ووجهه أدت إلى تغيير ملامحه، كما تعرض لاحتراق في الشعر ثم أصيب بالبهاق والذئبة الحمراء التي عولج منها، وقد جعله العلاج حساسا لأشعة الشمس، وكذلك خضع لعلاجات أدت إلى تغيير لون بشرته من اللون الأسمر الذي ولد به إلى اللون الفاتح مما أدى إلى اتهامه بمحاولة تغيير لون بشرته إلى الأبيض ولكنه نفى ذلك وأرجعه إلى مرض البهاق. وقد نسب إليه الكثير من التصرفات الغريبة. وكان له ولع بالأطفال الفقراء الذين كان يستضيفهم في مزرعته الكبيرة التي ملأها بالألعاب. وفي عام 1993م اتهم بإقامة علاقات جنسية شاذة مع بعض الأطفال ولم تتوفر الأدلة لمحاكمته إلا أنه حوكم في عام 2005م لتهم مشابهة، ولكن تمت تبرئته. وقد تزوج مايكل مرتين وأنجب ثلاثة أطفال. وعلى الرغم من دخله الهائل تعرض مايكل جاكسون لديون كبيرة مما أدى به إلى رهن مزرعته. أفرط مايكل في استعمال الأدوية والمسكنات القوية ليس فقط لعلاج الآلام الناتجة من الأمراض التي أصابته ولكن أيضا لمواجهة الضغوط النفسية التي تعرض لها بسبب الاتهامات التي وجهت إليه. وقد أدى ذلك إلى الإدمان على هذه الأدوية مما اضطره للخضوع للعلاج من هذا الإدمان. على الرغم من هذه الجوانب القاتمة امتلأت حياة مايكل بالأعمال الخيرة فقد أسس مؤسسة خيرية باسم مداواة العالم «Heal the World»، تبرع من خلالها بملايين الدولارات وأقام الكثير من الحفلات لدعم الجمعيات والأعمال الخيرية المختلفة، وتم تكريمه في البيت الأبيض بواسطة الرئيس رونالد ريجان على هذه الأعمال ومرة أخرى بواسطة الرئيس جورج بوش الأب على إنجازاته الفنية. الشهرة جذابة ولذا يتصارع الناس عليها، ولكن النظر والاعتبار من سيرة كثير من المشاهير وخاصة في عالم الفن يدعوان إلى حمد الله على المزايا الكثيرة التي تزخر بها الحياة الوادعة بعيدا عن الأضواء.